فصل: 1194 عرفة بن علي بن الحسن بن حمدويه أبو المكارم البندنيجي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


1188 عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني الشيخ الإمام نجم الدين

صاحب الحاوي الصغير واللباب وشرح اللباب المسمى ب العجاب وله أيضا كتاب في الحساب

كان أحد الأئمة الأعلام له اليد الطولى في الفقه والحساب وحسن الاختصار

أجازت له عفيفة الفارفانية من أصبهان

وكان من الصالحين أرباب الأحوال والكرامات حكى لي الشيخ قطب الدين محمد بن أسفهيد الأردبيلي أعاد الله علينا من بركته أنه اتفق حج الشيخ شهاب الدين السهروردي بعد ما أضر في العام الذي حج فيه عبد الغفار القزويني ولم يكن يعرفه فقال الشيخ شهاب الدين لجماعته أشم هنا رائحة رجل ووصفه فكشفوا خبره فوافوه وهو يكتب في الحاوي وقد أضاء له نورٌ في الليل يكتب عليه فقالوا له إن الشيخ يطلبك قال فلما حضر إلى الشيخ شهاب الدين قال له ما تكتب قال أصنف هذا الكتاب ووصف له الحاوي فقال له الشيخ شهاب الدين أسرع وعجل ونجز هذا الكتاب وفارقه فقيل للشيخ في هذا فقال إن أجله قد دنا فأحببت أن يفرغ من هذا الكتاب قبل أن يموت فكان كذلك مات بعد فراغه بيسير

وحكى لي أيضا الشيخ قطب الدين أن عبد الغفار كان معروفا بين أهل قزوين بأنه إذا كتب في الليل تضيء له أصابعه فيكتب عليها

قلت وإضاءة النور لأهل قزوين وقت التصنيف وغيره كرامةٌ ذكرناها في ترجمة الرافعي وفي ترجمة والد الرافعي وفي ترجمة هذا رحمه الله عليهم أجمعين

توفي في المحرم سنة خمس وستين وستمائة

1189 عبد القادر بن داود بن أبي نصر واسمه محمد بن النقار أبو محمد

من أهل واسط

تفقه على أبي العلاء بن البوقي والمجير البغدادي والشيخ فخر الدين النوقاني

وكان خيرا دينا أثنى عليه ابن النجار كثيرا وقال كانت له معرفةٌ تامةٌ بمذهب الشافعي أصولا وفروعا وله يدٌ باسطة في الفرائض والحساب ومعرفةٌ حسنةٌ بالأدب وكان من الورع والنزاهة والديانة والمروءة والتواضع على طريقة عرف بها واشتهرت عنه سمعت منه شيئا في الحديث وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة

1190 عبد القادر بن أبي عبد الله محمد بن الحسن شرف الدين أبو محمد بن البغدادي المصري

رحل من الشام في الصبا وسكن القاهرة وتفقه بها على الشيخ شهاب الدين الطوسي بعد أن تفقه بدمشق على قطب الدين النيسابوري وسمع من الحافظ ابن عساكر ودرس بالقطبية بالقاهرة

روى عنه الحافظ عبد العظيم وقال كان فقيها حسنا من أهل الدين والعفاف طارحا للتكلف مقبلا على ما يعنيه

توفي في الثاني والعشرين من شعبان سنة أربع وثلاثين وستمائة

1191 عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي بن علي

القاضي الخطيب جمال الدين أبو محمد الربعي الدمشقي

ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة

وسمع من ابن الصباح وابن الزبيدي وابن اللتي وطائفة

سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي والقاضي أبو مسلم الجيلي وآخرون

وكان فقيها فاضلا ناب في القضاء مدة ثم ترك ذلك واقتصر على الخطابة بالجامع الأموي والإمامة

مات في سلخ جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وستمائة

1192 عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسن القزويني الإمام الجليل أبو القاسم الرافعي

صاحب الشرح الكبير المسمى ب العزيز وقد تورع بعضهم عن إطلاق لفظ العزيز مجردا على غير كتاب الله فقال الفتح العزيز في شرح الوجيز والشرح الصغير والمحرر وشرح مسند الشافعي والتذنيب والأمالي الشارحة على مفردات الفاتحة وهو ثلاثون مجلسا أملاها أحاديث بأسانيده عن أشياخه على سورة الفاتحة وتكلم عليها وقد وقفنا على هذه التصانيف كلها

وله كتاب الإيجاز في أخطار الحجاز ذكر أنه أوراقٌ يسيرة ذكر فيها مباحث وفوائد خطرت له في سفره إلى الحج وكان الصواب أن يقول خطرات أو خواطر الحجاز ولعله قال ذلك والخطأ من الناقل

وكتاب المحمود في الفقه لم يتمه ذكر لي أنه في غاية البسط وأنه وصل فيه إلى أثناء الصلاة في ثمان مجلدات

قلت وقد أشار إليه الرافعي في الشرح الكبير في باب الحيض أظنه عند الكلام في المتحيرة وكفاه بالفتح العزيز شرفا فلقد علا به عنان السماء مقدارا وما اكتفى فإنه الذي لم يصنف مثله في مذهب من المذاهب ولم يشرق على الأمة كضيائه في ظلام الغياهب

كان الإمام الرافعي متضلعا من علوم الشريعة تفسيرا وحديثا وأصولا مترفعا على أبناء جنسه في زمانه نقلا وبحثا وإرشادا وتحصيلا وأما الفقه فهو فيه عمدة المحققين وأستاذ المصنفين كأنما كان الفقه ميتا فأحياه وأنشره وأقام عماده بعد ما أماته الجهل فأقبره كان فيه بدرا يتوارى عنه البدر إذا دارت به دائرته والشمس إذا ضمها أوجها وجوادا لا يلحقه الجواد إذا سلك طرقا ينقل فيها أقوالا ويخرج أوجها فكأنما عناه البحتري بقوله

وإذا دجت أقلامه ثم انتحت ** برقت مصابيح الدجا في كتبه

باللفظ يقرب فهمه في بعده ** منا ويبعد نيله في قربه

حكمٌ سحابتها خلال بيانه ** هطالةٌ وقليبها في قلبه

كالروض مؤتلقا بحمرة نوره ** وبياض زهرته وخضرة عشبه

وكأنها والسمع معقودٌ بها ** شخص الحبيب بدا لعين محبه

وكان رحمه الله ورعا زاهدا تقيا نقيا طاهر الذيل مراقبا لله له السيرة الرضية المرضية والطريقة الزكية والكرامات الباهرة

سمع الحديث من جماعة منهم أبوه وأبو حامد عبد الله بن أبي الفتوح بن عثمان العمراني والخطيب أبو نصر حامد بن محمود الماوراء النهري والحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمذاني ومحمد بن عبد الباقي بن البطي والإمام أبو سليمان أحمد بن حسنويه وغيرهم وحدث بالإجازة عن أبي زرعة المقدسي وغيره

روى عنه الحافظ عبد العظيم المنذري وغيره

قال ابن الصلاح أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله

قلت لا شك في ذلك

وقال النووي الرافعي من الصالحين المتمكنين كانت له كراماتٌ كثيرة

وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفرايني هو شيخنا إمام الدين وناصر السنة كان أوحد عصره في العلوم الدينية أوصلا وفروعا مجتهد زمانه في المذهب فريد وقته في التفسير كان له مجلسٌ بقزوين للتفسير ولتسميع الحديث

ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي نقلت من خط الحافظ علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد البرزالي نقلت من خط الشيخ الإمام تاج الدين بن الفركاح أن القاضي شمس الدين بن خلكان حدثه أن الإمام الرافعي توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وأن خوارزم شاه يعني جلال الدين غزا الكرج بتفليس في هذه السنة وقتل فيهم بنفسه حتى جمد الدم على يده فلما مر بقزوين خرج إليه الرافعي فلما دخل إليه أكرمه إكراما عظيما فقال له الرافعي سمعت أنك قاتلت الكفار حتى جمد الدم على يدك فأحب أن تخرج إلي يدك لأقبلها فقال له السلطان بل أنا أحب أن أقبل يدك فقبل السلطان يده وتحادثا ثم خرج الشيخ وركب دابته وسار قليلا فعثرت به الدابة فوقع فتأذت يده التي قبلها السلطان فقال الشيخ سبحان الله لقد قبل هذا السلطان يدي فحصل في نفسي شيءٌ من العظمة فعوقبت في الوقت بهذه العقوبة

سمعت شيخنا شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب يحكى أن الرافعي فقد في بعض الليالي ما يسرجه عليه وقت التصنيف فأضاءت له شجرةٌ في بيته

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ أخبرنا عبد العظيم بن عبد القوي الحافظ حدثنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني لفظا بمسجد رسول الله أخبرنا أبو زرعة إذنا

ح وكتب إلي أبو طاهر بن سيف عن المنذري أخبرنا الرافعي لفظا

ح وقرأت على أبي عبد الله وأبي العباس الحافظين أخبركما عبد الخالق القاضي أخبرنا ابن قدامة أخبرنا أبو زرعة أخبرنا المقومي إجازة إن لم يكن سماعا أخبرنا أبو القاسم الخطيب أخبرنا القطان أخبرنا ابن ماجه حدثنا إسماعيل بن راشد حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر أن رسول الله قال صلاةٌ في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه

قال الحافظ عبد العظيم صوابه ابن أسد

وهذه فوائد من أمالي الرافعي

قال في قوله إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنما قال مائة إلا واحدا لئلا يتوهم أنه على التقريب وفيه فائدة رفع الاشتباه فقد يشتبه في الخط تسعة وتسعون بسبعة وسبعين

روى بسنده إلى عبد الله المغربي من ادعى العبودية وله مرادٌ باق فهو كاذبٌ في دعواه إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته وقام بمراد سيده ليكون اسمه ما سمي به إذا دعي باسم أجاب عن العبودية ولا يجيب إلا من يدعوه بالعبودية ثم أنشأ يقول

يا عمرو ثاري عند أسماء ** يعرفه السامع والرائي

لا تدعني إلا بيا عبدها ** لأنه أشرف أسمائى

ثم أنشد الرافعي لنفسه

سمني بما شئت وسم جبهتي ** باسمك ثم أسم بأسمائي

فسمني عبدك أفخر به ** ويستوي عرشي على الماء

وأنشد لنفسه أيضا

إن كنت في اليسر فاحمد من حباك به ** فليس حقا قضى لكنه الجود

أو كنت في العسر فاحمده كذلك إذ ** ما فوق ذلك مصروفٌ ومردود

وكيفما دارت الأيام مقبلة ** وغير مقبلة فالحمد محمود

وقال اعلم أن الناس في الرضا ثلاثة أقسام قومٌ يحسون بالبلاء ويكرهونه ولكن يصبرون على حكمه ويتركون تدبيرهم ونظرهم حبا لله تعالى لأن تدبير العقل لا ينطبق على رسوم المحبة والهوى قال قائلهم

لن يضبط العقل إلا ما يدبره ** ولا ترى في الهوى للعقل تدبيرا

كن محسنا أو مسيئا وابق لي أبدا ** وكن لدي على الحالين مشكورا

وقومٌ يضمون إلى سكون الظاهر سكون القلب بالاجتهاد والرياضة وإن أتى البلاء على أنفسهم بل

يستعذبون بلاياهم كأنهم ** لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا

ولذلك قال ذو النون المصري الرجاء سرور القلب بمرور القضاء وقالت رابعة إنما يكون العبد راضيا إذا سرته البلية كما سرته النعمة

وقومٌ يتركون الاختيار ويوافقون الأقدار فلا يبقى لهم تلذذٌ ولا استعذاب ولا راحةٌ ولا عذاب قال أبو الشيص وأحسن

وقف الهوي بي حيث أنت فليس لي ** متأخرٌ عنه ولا متقدم

أجد الملامة في هواك لذيذة ** حبا لذكرك فليلمني اللوم

أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ** إذ كان حظي منك حظي منهم

وأهنتني فأهنت نفسي عامدا ** ما من يهون عليك ممن يكرم

قال في الإملاء على حديث عائشة كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين حمل الشافعي ذلك فيما نقله أبو عيسى الترمذي وغيره على التعبير عن السورة يذكر أولها بعد آية التسمية المشتركة كما يقال قرأت طه ويس قال ثم هذا الاستدلال يعني استدلال الخصوم على أنها ليست من القرآن بهذا الحديث لا يتضح على قول من يذهب إلى أن التسمية في أوائل السور ليست من القرآن لأن المراد من قوله يستفتح القراءة قراءة القرآن لا مطلق القراءة وحينئذ فالافتتاح بالحمد لله رب العالمين لا ينافى قراءة البسملة أولا كما لا ينافى قراءة التعوذ ودعاء الاستفتاح

قال الرافعي سبيل من أشرف قلبه ونور بصيرته على الضياع أن يستغيث بالرحمن رجاء أن يتدارك أمره بالرحمة والاصطناع ويتضرع بما أنشد عبد الله بن الحسن الفقير

لو شئت داويت قلبا أنت مسقمه ** وفي يديك من البلوى سلامته

إن كان يجهل ما في القلب من حرق ** فدمع عيني على خدي علامته

ثم روى بسنده أن سمنون كان جالسا على الشط وبيده قضيبٌ يضرب به فخذه وساقه حتى تبدد لحمه وهو يقول

كان لي قلبٌ أعيش به ** ضاع مني في تقلبه

رب فاردده علي فقد ** ضاق صدري في تطلبه

وأغث ما دام بي رمقٌ ** يا غياث المستغيث به

وروى عن مسرور الخادم قال لما احتضر هارون أمير المؤمنين أمرني أن آتيه بأكفانه فأتيته بها ثم أمرني فحفرت له قبره ثم أمر فحمل إليه وجعل يتأمله ويقول ‏{‏مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ‏}‏ ثم أنشد الرافعي لنفسه

الملك لله الذي عنت الوجوه ** له وذلت عنده الأرباب

متفردٌ بالملك والسلطان قد ** خسر الذين تجاذبوه وخابوا

دعهم وزعم الملك يوم غرورهم ** فسيعلمون غدا من الكذاب

وقال في قوله إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في كل يوم مائة مرة مم كان يتوب النبي وعلى م يحمل الغين في قلبه افترق الناس فيه فرقتين فرقة أنكرت الحديث واستعظمت أن يغان قلب رسول الله حتى يستغفر مما أصابه وعلى ذلك جرى أبو نصر السراج صاحب كتاب اللمع في التصوف فروى الحديث وقال عقيبه هذا حديثٌ منكرٌ وأنكر علماء الحديث استنكار السراج وقالوا الحديث صحيحٌ وكان من حقه أن لا يتكلم فيما لا يعلم والمصححون له تحزبوا فتحرج من تفسيره متحرجون

عن شعبة سألت الأصمعي ما معنى ليغان على قلبي فقال عمن يروى ذلك قلت عن النبي قال لو كان عن غير قلب النبي فسرته لك وأما قلب النبي فلا أدري فكان شعبة يتعجب منه

وعن الجنيد لولا أنه حال النبي لتكلمت فيه ولا يتكلم على حال إلا من كان مشرفا عليها وجلت حاله أن يشرف على نهايتها أحدٌ من الخلق وتمنى الصديق رضى الله عنه مع علو مرتبته أن يشرف عليها فعنه ليتني شهدت ما استغفر منه رسول الله

فهذه طريقة المصححين وتكلم فيه آخرون على حسب ما انتهى إليه فهمهم ولهم منهاجان أحدهما حمل الغين على حالة جميلة ومرتبة عالية اختص بها النبي والمراد من استغفاره خضوعه وإظهار حاجته إلى ربه أو ملازمته للعبودية ومن هؤلاء من نزل الغين على السكينة والاطمئنان وعن أبي سعيد الخراز الغين شيءٌ لا يجده إلا الأنبياء وأكابر الأولياء لصفاء الأسرار وهو كالغين الرقيق الذي لا يدوم

والثاني حمل الغين على عارض يطرأ غيره أكمل منه فيبادر إلى الاستغفار إعراضا وعلى هذا كثرت التنزيلات والتأويلات فقد كان سبب الغين النظر في حال الأمة واطلاعه على ما يكون منهم فكان يستغفر لهم وقيل سببه ما يحتاج إليه من التبليغ ومشاهدة الخلق فيستغفر منه ليصل إلى صفاء وقته مع الله وقيل ما كان يشغله من تمادي قريش وطغيانهم وقيل ما كان يجد في نفسه من محبة إسلام أبي طالب وقيل لم يزل رسول الله مترقيا من رتبة إلى رتبة فكلما رقي درجة والتفت إلى ما خلفها وجد منها وحشة لقصورها بالإضافة إلى التي انتهى إليها وذلك هو الغين فيستغفر الله منها وهذا ما كان يستحسنه والدي رحمه الله ويقرره انتهى كلام الرافعي ثم أنشد لغيره هذا

والله ما سهري إلا لبعدهم ** ولو أقاموا لما عذبت بالسهر

عهدي بهم ورداء الوصل يشملنا ** والليل أطوله كاللمح بالبصر

والآن ليلي إذ ضنوا بزورتهم ** ليل الضرير فنومي غير منتظر

وهذه فوائد من شرح المسند للرافعي

ذكر فيه أن الأفضل لمن يشيع الجنازة أن يكون خلفها بالاتفاق والذي أوقعه في ذلك الخطابي فإنه كذلك قال وقد ذكر الرافعي نفسه في شرحيه أنه يكون أمامها وحكى ما سبق رواية عن أحمد

ومن شعر الرافعي مما ليس في الأمالي أنشدنا قاضي القضاة جلال الدين محمد ابن عبد الرحمن القزويني في كتابه عن والده عن أبي القاسم الرافعي رحمه الله أنه أنشده لنفسه

تنبه فحق أن يطول بحسرة ** تلهف من يستغرق العمر نومه

وقد نمت في عصر الشبيبة غافلا ** فهب نصيح الشيب قد جاء يومه

وهذه تنبيهات مهمة تتعلق بالرافعي رحمه الله ورضي عنه وعنا بكرمه

تنبيه اشتهر على لسان الطلبة أن الرافعي لا يصحح إلا ما كان عليه أكثر الأصحاب وكأنهم أخذوا ذلك من خطبة كتابه المحرر ومن كلام صاحب الحاوي الصغير واشتد نكير الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى على من ظن ذلك وبين خطأه في كتاب الطوالع المشرقة وغيره ولخصت أنا كلامه فيه في كتاب التوشيح ثم ذكرت أماكن رجح الرافعي فيها ما أعرف أن الأكثر على خلافه وها أنا أعد ما يحضرني من هذه الأماكن

منها الجلوس بين السجدتين هل هو ركنٌ طويلٌ أو قصير فيه وجهان أحدهما أنه طويل قال الرافعي حكاه إمام الحرمين عن ابن سريج والجمهور والثاني أنه قصيرٌ قال الرافعي وهذا هو الذي ذكره الشيخ أبو محمد في الفروق وتابعه صاحب التهذيب وغيره وهو الأصح انتهى

ولعل الرافعي ينازع الإمام في كون الجمهور على أنه طويل

ومنها في صلاة الخوف إذا دمي السلاح الذي يحمله المصلي وعجز عن إلقائه أمسكه وفي القضاء حينئذ قولان قال الرافعي نقل الإمام عن الأصحاب أنه يقضي وقال النووي ظاهر كلام الأصحاب القطع به قال الرافعي والأقيس أنه لا يقضي ووافقه الشيخ الإمام

ومنها ذكر أن الأكثر لا سيما المتقدمين على تجويز النظر إلى الأجنبية واقتضى كلامه

1193 عثمان بن محمد بن أبي محمد بن أبي علي عماد الدين أبو عمرو الكردي الحميدي

تفقه بالموصل على غير واحد ثم رحل إلى أبي سعد بن أبي عصرون وتفقه عليه وقدم مصر فولى قضاء دمياط ثم ناب في القاهر عن قاضي القضاة عبد الملك الماراني ودرس بالمدرسة السيفية وبالجامع الأقمر ثم حج وجاور إلى أن مات في ربيع الأول سنة سنة عشرين وستمائة

1194 عرفة بن علي بن الحسن بن حمدويه أبو المكارم البندنيجي

يعرف بابن بصلا اللبني نسبة إلى اللبن لأنه أقام سنين يتغذى باللبن ولا يأكل الخبز وكان رجلا صالحا عاش سبعا وسبعين سنة

تفقه بنظامية بغداد وصحب أبا النجيب السهروردي وسمع من أبي الفضل الأرموي وعبد الصبور الهروي

توفي سنة اثنتين وستمائة

1195 علي بن الخطاب بن مقلد أبو الحسن الضرير

تفقه على أبي القاسم بن فضلان وأبي علي بن الربيع

وكان من أهل واسط وسمع ببغداد أبا الفتح بن شاتيل

وقيل كان يقرأ في رمضان تسعين ختمة وفي باقي السنة في كل يوم ختمة وقد أقبلت عليه الدنيا آخر عمره وجالس الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين

وذكر ابن النجار أنه برع في المذهب والخلاف والأصول وقال سألته عن مولده فقال في آخر سنة ستين أو أول سنة إحدى وستين وخمسمائة قال وتوفي في شعبان سنة تسع وعشرين وستمائة

1196 علي بن روح بن أحمد بن الحسن بن عبد الكريم النهرواني أبو الحسن المعروف بان الغبيري

تفقه على أبي النجيب السهروردي وتأدب على أبي محمد الجواليقي

توفي في شهر رمضان سنة خمس عشرة وستمائة

1197 علي بن عقيل بن علي بن هبة الله بن الحسن بن علي الفقيه أبو الحسن بن الحبوبي الثعلبي الدمشقي المعدل

إمام مشهد على داخل جامع بني أمية

ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

1198 علي بن علي بن سعيد بن الجنيس

بضم الجيم بعدها نون مفتوحة ثم آخر الحروف ساكنة ثم سين مهملة تصغير جنس

من أهل ميافارقين ولد بها بعد الأربعين وخمسمائة

وتفقه بتبريز على ابن أبي عمرو الفقيه وسمع بها من محمد بن أسعد العطاري

وقدم بغداد فسمع من أبي زرعة المقدسي وصحب أبا النجيب وعلق الخلاف عن يوسف الدمشقي واستوطن بغداد وتولى إعادة النظامية وناب في الحكم ثم عزل نفسه ودرس بمدرسة أم الناصر لدين الله

قال ابن النجار كان أحفظ أهل زمانه لمذهب الشافعي سديد الفتاوى غزير الفضل

توفي يوم عرفة سنة اثنتين وستمائة

1199 علي بن القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر

الفقيه أبو القاسم بن الحافظ أبي محمد بن الحافظ الكبير ولد في ربيع الاخر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

وسمع من بركات بن إبراهيم الخشوعي وأبي المواهب ابن صصرى وزيد بن الحسن الكندي وعبد الملك بن زيد بن ياسين الدولعي وأبيه الحافظ أبي محمد القاسم وإسماعيل الجنزوي والمؤيد الطوسي وأبي روح رحل إليهما

وعني بالحديث أتم عناية خرج لنفسه أربعين حديثا وحدث بها سنة ستمائة فسمع منه جماعةٌ من شيوخه

قال شيخنا الذهبي وهو آخر من رحل إلى خراسان من المحدثين وقد خرج للكندي ولابن الحرستاني وجماعة وكان ذكيا فاضلا حافظا نبيلا مجتهدا في الطلب

تفقه على خاله الإمام الكبير فخر الدين أبي منصور عبد الرحمن

أدركه أجله ببغداد بعد عوده من خراسان من أثر جراحات به من الحرامية في ثالث عشر جمادي الأولى سنة ست عشرة وستمائة

1200 علي بن محمد بن عبد الصمد أبو الحسن الهمداني الشيخ علم الدين السخاوي المصري

شيخ القراء بدمشق

ولد سنة ثمان أو تسع وخمسين وخمسمائة

وسمع من السلفي وأبي الطاهر بن عوف وأبي الجيوش عساكر بن علي وأبي القاسم البوصيري وإسماعيل بن ياسين وابن طبرزد والكندي وحنبل وغيرهم

روى عنه الشيخ زين الدين الفارقي وخلقٌ

وكان قد لازم الشاطبي وأخذ عنه القراءات وغيرها وكان فقيها يفتي الناس وإماما في النحو والقراءات والتفسير قصده الخلق من البلاد لأخذ القراءات عنه

وله المصنفات الكثيرة والشعر الكثير وكان من أذكياء بني آدم

ذكره العماد الكاتب في كتاب السيل على الذيل وذكر أنه مدح السلطان صلاح الدين بقصيدة منها

بين الفؤادين من صب ومحبوب ** يظل ذو الشوق في شد وتقريب

وهي طويلة أورد العماد منها قطعة

ومن الغريب أن هذا السخاوي مدح الشيخ رشيد الدين الفارقي بقصيدة مطلعها

فاق الرشيد فأمت بحره الأمم ** وصد عن جعفر وردا له أمم

وبين وفاة الممدوحين أكثر من مائة سنة ولا أعلم لذلك نظيرا

توفي السخاوي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة

1201 علي بن محمد بن علي بن المسلم بن محمد

1202 علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري ابن الأثير

الحافظ المؤرخ صاحب الكامل في التاريخ لقبه عز الدين وهو أخو الأخوين المحدث اللغوي مجد الدين صاحب النهاية وجامع الأصول والوزير الأديب ضياء الدين صاحب المثل السائر

ولد بالجزيرة العمرية سنة خمس وخمسين وخمسمائة ونشأ بها ثم تحول بهم والدهم إلى الموصل

سمع بها من خطيب الموصل أبي الفضل ومن أبي الفرج يحيى الثقفي ومسلم بن علي السيحي وغيرهم وببغداد من عبد المنعم بن كليب ويعيش بن صدقة الفقيه وعبد الوهاب بن سكينة

وأقبل في أواخر عمره على لحديث وسمع العالي والنازل حتى سمع لما قدم دمشق من أبي القاسم بن صصرى وزين الأمناء

روى عنه ابن الدبيثي والشهاب القوصي والمجد ابن أبي جرادة والشرف ابن عساكر وسنقر القضائي وهما من أشياخ شيوخنا وغيرهم

ومن تصانيفه مختصر الأنساب لابن السمعاني وكتاب حافلٌ في معرفة الصحابة اسمه أسد الغابة وشرع في تاريخ الموصل

قال ابن خلكان كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء اجتمعت به بحلب فوجدته مكملا في الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق

توفي في رمضان سنة ثلاثين وستمائة

1203 علي بن محمود بن علي أبو الحسن الشهرزوري شمس الدين الكردي

مدرس القيمرية بدمشق وأبو مدرسها الصلاح

قال الذهبي شيخٌ فقيهٌ إمامٌ عارفٌ بالمذهب موصوف بجودة النقل حسن الديانة قوي النفس ذو هيبة ووقار بنى الأمير ناصر الدين القيمري مدرسته بالحريميين بدمشق وفوض تدريسها إليه وإلى أولي الأهلية من ذريته وقد ناب في القضاء عن ابن خلكان وتكلم بدار العدل بحضرة الملك الظاهر عندما احتاط على الغوطة فقال الماء والكلأ والمرعى لله لا يملك وكل من بيده ملكٌ فهو له فبهت السلطان لكلامه وانفصل الأمر على هذا المعنى

توفي في شوال سنة خمس وسبعين وستمائة

1204 علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي

الفقيه الورع بهاء الدين ابن الجميزي

نسبة إلى الجميز بضم الجيم ثم الميم المشددة المفتوحة ثم آخر الحروف الساكنة ثم الزاي وهو شجرٌ معروفٌ بالديار المصرية

ولد يوم عيد الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة بمصر وحفظ القرآن العزيز وهو ابن عشر سنين أو أقل ورحل به أبوه فسمع بدمشق من أبي القاسم ابن عساكر في سنة ثمان وستين صحيح البخاري بفوت قليل ورحل مع أبيه إلى بغداد فقرأ بها القراءات العشر على أبي الحسن علي بن عساكر البطائحي بكتابه الذي صنفه في القراءات وقرأ القراءات العشر أيضا على الإمام قاضي القضاة شرف الدين ابن أبي عصرون

وسمع الحديث ببغداد من شهدة الكاتبة وعبد الحق اليوسفي وأبي شاكر يحيى السقلاطوني وغيرهم

وبالإسكندرية من أبي طاهر السلفي وتفرد عنه بأشياء ومن أبي طاهر بن عوف وأبي طالب أحمد بن المسلم التنوخي

وبمصر من ابن بري والشاطبي وقرأ عليه عدة ختمات ببعض الروايات

قال شيخنا الذهبي ولا نعلم أحدا سمع من السلفي وابن عساكر وشهدة سواه إلا الحافظ عبد القادر بن عبد الله

قلت وفي سماع عبد القادر من الحافظ ابن عساكر ما لا يخفى

روى عنه خلقٌ من أهل دمشق وأهل مكة وأهل مصر منهم الزكيان المنذري والبرزالي وابن النجار والدمياطي وابن دقيق العيد وأبو الحسين اليونيني والقاضي تقي الدين سليمان وخلائق

وأخذ الفقه عن ابن أبي عصرون بالشام وعن أبي إسحاق العراقي والشيخ شهاب الدين الطوسي بمصر وأكمل قراءة المهذب على ابن أبي عصرون وكان ابن أبي عصرون قد قرأه على الفارقي عن المصنف

وكان الفقيه بهاء الدين خطيب الجامع بالقاهرة ومدرس الديار المصرية وشيخها ورئيس العلماء بها درس وأفتى دهرا وكان كبير القدر رفيع الجاه وافر الحرمة معظما عند الخاص والعام

وخرجت له مشيخةٌ حدث بها أخبرنا بها الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه وأربعون حديثا أخبرنا بها المحدث شمس الدين محمد ابن محمد بن الحسن بن نباتة بقراءتي عليه قال أخبرنا شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد عنه قال أبو الحسن بن الجميزي ألبسني شيخي ابن أبي عصرون الطيلسان وشرفني به على الأقران وكتب لي لما ثبت عندي علم الولد الفقيه الإمام بهاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضائل وفقه الله ودينه وعدالته رأيت تمييزه من بين أبناء جنسه وتشريفه بالطيلسان والله يرزقنا القيام بحقه وكتبه عبد الله بن محمد بن أبي عصرون

وكان قد قرأ على ابن أبي عصرون القراءات العشر بما تضمنه كتاب الإيجاز لأبي ياسر محمد بن علي المقرئ الحمامي قال شيخنا الذهبي وهو آخر تلامذة أبي سعد في الدنيا والعجب من القراء كيف لم يزدحموا عليه ولا تنافسوا في الأخذ عنه فإنه كان أعلى إسنادا من كل أحد في زمانه

توفي في يوم الخميس رابع عشري ذي الحجة سنة تسع وأربعين وستمائة بمصر وقد كمل التسعين

قال ابن القليوبي حضرت دفنه وكان مشهدا عظيما قل أن شهد مثله وكان هناك قارئٌ يعرف بابن أبي البركات حسن الصوت جيد القراءة فقرأ عند قبر الفقيه بهاء الدين بعد تسوية التراب عليه ‏{‏إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ‏}‏ الآيات التي في سورة الزخرف وقرأ بالشاذ في قوله ‏(‏ وإنه لعلمٌ للساعة ‏)‏ بفتح العين واللام فوالله لكأن الآيات نزلت فيه لما مثله الناس من أن موت العلماء من أعلام الساعة وأشراطها ثم قال عقب ذلك أخبرني شيخي وسيدي ساكن هذا الضريح إلى آخر ما ذكره من نعوته وسنده المتصل برسول الله أنه قال إن الله لا ينزع العلم انتزاعا وإنما ينزعه بقبض العلماء الحديث بطوله فكان من البكاء والنحيب الكثير أمرٌ غريبٌ انتهى

1205 علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار

1206 علي بن أبي الحزم القرشي الشيخ علاء الدين بن النفيس

الطبيب المصري صاحب التصانيف الفائقة في الطب الموجز وشرح الكليات وغيرهما

كان فقيها على مذهب الشافعي صنف شرحا على التنبيه وصنف في الطب غير ما ذكرنا كتابا سماه الشامل قيل لو تم لكان ثلاثمائة مجلدة تم منه ثمانون مجلدة وكان فيما يذكر يملي تصانيفه من ذهنه وصنف في أصول الفقه وفي المنطق وبالجملة كان مشاركا في فنون وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله قيل ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وكان شيخه في الطب الشيخ مهذب الدين الدخوار

توفي في حادي عشرين ذي القعدة سنة سبع وثمانين وستمائة عن نحو ثمانين سنة وخلف مالا جزيلا ووقف كتبه وأملاكه على المارستان المنصوري

1207 علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الإمام أبو الحسن سيف الدين الآمدي

الأصولي المتكلم أحد أذكياء العالم

ولد بعد الخمسين وخمسمائة بيسير بمدينة آمد وقرأ بها القرآن وحفظ كتابا في مذهب أحمد بن حنبل ثم قدم بغداد فقرأ بها القراءات أيضا وتفقه على أبي الفتح ابن المني الحنبلي وسمع الحديث من أبي الفتح بن شاتيل ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وصحب أبا القاسم بن فضلان وبرع عليه في الخلاف وأحكم طريقة الشريف وطريقة أسعد الميهني وتفنن في علم النظر وأحكم الأصلين والفلسفة وسائر العقليات وأكثر من ذلك

ثم دخل الديار المصرية وتصدر للإقراء وأعاد بدرس الشافعي وتخرج به جماعةٌ ثم وقع التعصب عليه فخرج من القاهرة مستخفيا وقدم إلى حماة فأقام بها ثم قدم دمشق ودرس بالمدرسة العزيزية ثم أخذت منه وبدمشق توفي

ويقال إنه حفظ الوسيط وحمل عنه الأذكياء العلم أصولا وكلاما وخلافا

وصنف كتاب الأبكار في أصول الدين والإحكام في أصول الفقه والمنتهى ومنائح القرائح وشرح جدل الشريف وله طريقةٌ في الخلاف وتعليقةٌ حسنةٌ وتصانيفه فوق العشرين تصنيفا كلها منقحة حسنة

ويحكى أن شيخ الإسلام عز الدين ابن عبد السلام قال ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن منه كأنه يخاطب وإذا غير لفظا من الوسيط كان لفظه أمس بالمعنى من لفظ صاحبه وأنه قال ما علمنا قواعد البحث إلا من سيف الدين الآمدي وأنه قال لو ورد على الإسلام متزندقٌ يشكك ما تعين لمناظرته غير الآمدي لاجتماع أهلية ذلك فيه

ويحكى أن الآمدي رأى في منامه حجة الإسلام الغزالي في تابوت وكشف عن وجهه وقبله فلما انتبه أراد أن يحفظ شيئا من كلامه فحفظ المستصفى في أيام يسيرة وكان يعقد مجلسا للمناظرة

1208 عمر بن إبراهيم بن أبي بكر نجم الدين بن خلكان الإربلي

أخو بهاء الدين محمد

سكن إربل ودرس بها إلى أن مات في رمضان سنة تسع وستمائة بها

1209 عمر بن أسعد بن أبي غالب القاضي عز الدين أبو حفص

1210 عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد بن سعيد بن أبي الكتائب الأديب العلامة أبو حفص الربعي رشيد الدين الفارقي

مولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

وسمع من أبي عبد الله بن الزبيدي وعبد العزيز بن باقا وجماعة

روى عنه من شعره الحافظ الدمياطي وشيخنا أبو الحجاج المزي وآخرون وكان يدرس بالمدرسة الناصرية ثم بالظاهرية بدمشق وله مقدمتان في النحو

1211 عمر بن بندار بن عمر بن علي القاضي أبو الفتح كما الدين التفليسي

أحد العلماء المشهورين

ولد بتفليس سنة إحدى أو اثنتين وستمائة تقريبا وتفقه وبرع في المذهب والأصلين ودرس وأفتى

وسمع الحديث من أبي المنجى بن اللتي وجالس أبا عمرو بن الصلاح واستفاد منه ثم ولى القضاء بدمشق نيابة فلما تملكت التتار الشام جاءه التقليد من هولاكو بقضاء الشام استقلالا والجزيرة والموصل فباشر وذب عن المسلمين وأحسن إليهم بكل ممكن وكان نافذ الكلمة عند التتار لا يخالفونه فحصل للمسلمين به خيرٌ كثير من حقن كثير من الدماء وكف أيد ظالمة عن الأموال وغير ذلك ومع ذلك لما زالت التتار كذب عليه وافتري عليه أشياء برأه الله منها وكان غاية مقالة أعدائه فيه أن سافر إلى الديار المصرية وتركهم وأفاد الناس هناك

وكان ابن الزكي قد سافر إلى هولاكو وجاء بقضاء الشام وتوجه كمال الدين إلى قضاء حلب وأعمالها ثم بعد توجه التتار ألزم بالسفر إلى الديار المصرية فأقام بها إلى أن توفي ليلة رابع عشر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وستمائة بالقاهرة

1212 عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد القزويني

قاضي القضاة إمام الدين

ولد بتبريز سنة ثلاث وخمسين وستمائة وانتقل واشتغل في العجم والروم ثم قدم دمشق في الدولة الأشرفية هو وأخوه قاضي القضاة جلال الدين فدرس ببعض المدارس ثم ولي قضاء القضاة بالشام في سنة تسع وستين وستمائة وصرف القاضي بدر الدين بن جماعة فأحسن إمام الدين السيرة وساس الأمور واستمر إلى أن جاء التتار وبلغه هزيمة المسلمين فانجفل إلى القاهرة فيمن انجفل من الناس ودخلها وأقام بها جمعة وتوفي سنة تسع وتسعين وستمائة

1213 عمر بن عبد الوهاب بن خلف

قاضي القضاة صدر الدين ابن بنت الأعز

ولد سنة خمس وعشرين وستمائة

وسمع من الحافظ عبد العظيم والرشيد العطار

وكان فقيها عارفا بالمذهب نحويا دينا صالحا ورعا قائما في نصرة الحق وولي قضاء القضاة بالديار المصرية فمشى على طريقة والده قاضي القضاة تاج الدين في التحري والصلابة بل أربى عليها قال شيخنا أبو حيان ما سمعت بأحد من القضاة في عصره كان أكبر هيبة منه لا يمزح ولا يضحك ولا ينبسط قال وكان معظما عند والده قاضي القضاة تاج الدين يعتقد فيه الديانة ويتبرك به قال ولا يعلم أهل بيت بالديار المصرية أنجب من هذا البيت كانوا أهل علم ورياسة وسؤدد وجلالة

قلت ثم عزل نفسه واقتصر على تدريس الصالحية إلى أن توفي في يوم عاشوراء سنة ثمانين وستمائة

1214 عبد اللطيف بن أحمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري

أبو الحسن القاضي

ولي قضاء الموصل عدة نوب وتفقه بالقاضي فخر الدين بن سعيد بن عبد الله الشهرزوري

ولد في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ومات ليلة الأربعاء ثامن جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وستمائة

1215 عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد السلام

الفقيه ولد الشيخ عز الدين

ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة فطلب الحديث بنفسه وقصد الشيوخ وروى عن ابن اللتي وتفقه على والده وتميز في الفقه والأصول وكان يعرف تصانيف والده معرفة حسنة

توفي بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة

1216 عبد اللطيف بن عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه أبو محمد بن الشيخ أبي النجيب السهروردي

ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ببغداد

وتفقه على أبيه ثم سافر إلى خرسان ودخل ما وراء النهر ولقى الأئمة وحصل وعاد إلى بغداد ثم خرج منها إلى الشام فوفد على الملك الناصر صلاح الدين فولاه قضاء كل بلد افتتحه من السواحل وغيرها ثم سافر إلى بغداد فأقام بها مدة ثم سافر إلى إربل وأقام بها إلى حين وفاته

سمع من أبي البدر الكرخي وأبي القاسم علي بن عبد السيد بن الصباغ وأبي الفضل محمد بن عمر الأرموي وغيرهم

توفي في جمادى الأولى سنة عشر وستمائة

1217 عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد أبو محمد بن الشيخ أبي العز الموصلي وهو الشيخ موفق الدين البغدادي

نحوي لغوي متكلم طبيب خبير بالفلسفة

ولد ببغداد سنة سبع وخمسين وخمسمائة

وسمع من ابن البطي وأبي زرعة المقدسي وشهدة وخلق

روى عنه الزكيان المنذري والبرزالي وابن النجار وغيرهم

وله تصانيف كثيرةٌ في اللغة والطب والتاريخ وغير ذلك

وكانت إقامته بحلب وسافر منها ليحج على درب العراق فدخل حران وحدث بها ودخل بغداد مريضا فتعوق عن الحج ومات بها في ثانى عشرالمحرم سنة تسع وعشرين وستمائة

1218 عبد المحسن بن نصر الله بن كثير زين الدين بن البياع الشامي الأصل المصري

تفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن سلامة

قال شيخنا الذهبي كان طلق العبارة جيد القريحة من أعيان الشافعية خطب بقلعة الجبل وناب في الحكم بأعمال مصر وتقلب في الخدم الديوانية

مات سنة إحدى وعشرين وستمائة

1219 عبد المحسن بن أبي العميد بن خالد بن عبد الغفار بن إسماعيل الشيخ حجة الدين أبو طالب الخفيفي الأبهري الصوفي

ولد في رجب سنة ست وخمسين وخمسمائة

وتقفه بهمذان على أبي القاسم بن حيدر القزويني وعلق التعليقة عن فخر الدين النوقاني

وسمع بأصبهان من أبي موسى المديني وغيره وببغداد من أبي الفتح ابن شاتيل وغيره وبهمذان ودمشق ومصر ومكة وغيرها من البلاد وكان كثير الأسفار والحج ذا صلاة وتهجد وصيام وعبادة عارفا بكلام المشايخ وأحوال القوم حج وجاور وتوفي في صفر سنة أربع وعشرين وستمائة

1220 عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمود

القاضي جلال الدين أبو محمد المصري ثم الشامي

ولد سنة تسع عشرة وستمائة بالقاهرة وقدم الشام

قال شيخنا الذهبي وروى لنا مجلس معمر عن ابن المقير وولى قضاء السلط وعجلون والقدس وخطابة صفد وناب في الحكم بدمشق ثم عاد إلى القدس إلى أن توفي بها وله تعليقة على التنبيه

توفي في حادي وعشرين ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وستمائة

1221 عبد الواحد بن إسماعيل بن ظافر الأزدي

1222 عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف الشيخ كمال الدين أبو المكارم ابن خطيب زملكا

قال أبو شامة كان عالما خيرا متميزا في علوم عدة ولى القضاء بصرخد ودرس ببعلبك

قلت وهو جد الشيخ كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد الزملكاني وكانت له معرفة تامةٌ بالمعاني والبيان وله فيه مصنف وله شعرٌ حسن

توفي بدمشق سنة إحدى وخمسين وستمائة

1223 عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع ابن عبد الجليل الأبهري

1224 عبد الودود بن محمود بن المبارك بن علي أبو المظفر بن أبي القاسم

المعروف والده بالمجير البغدادي

قرأ المذهب والأصول على والده وقرأ الخلاف والجدل وزاحم بالركب في مصاف الفقهاء وناظر وتولى الإعادة بالمدرسة النظامية حين كان والده مدرسا بها ودرس ببعض مدارس بغداد

وتوفي فجأة في أول يوم من رجب سنة ثمان عشرة وستمائة

1225 عبد الوهاب بن الحسين بن عبد الوهاب المهلبي القاضي وجيه الدين البهنسي

قاضي مصر أبو محمد

كان فقيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا

ولي قضاء الديار المصرية ثم عزل عن القاهرة والوجه البحري واستمر على قضاء مصر والوجه القبلي إلى أن توفي ودرس بالزاوية المجدية بالجامع العتيق بمصر وتناظر هو والضياء بن عبد الرحيم مرة فصار يعلو كلامه عليه وكان يتأكل في كلامه ويدل بفضله

وحكي أن بعض الطلبة جلس بين يديه وقال له انظر في أمري لي أربع سنين في هذا الموضع وحفظت أربعة كتب وجامكيتي أربعة دراهم وكسر الهاء في الجميع فقال له يا فقيه من بنى أربعتك على الكسر

وحضر عنده الشيخ شهاب الدين القرافي مرة وقت التدريس وهو يتكلم في الأصول فشرع القرافي يناظره والوجيه يعلو بكلامه عليه فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه وقال له فروجٌ يصيح بين الديكة

توفي في جمادى الآخرة سنة خمس وثمانين وستمائة

1226 عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز

ولد في مستهل رجب سنة أربع وستمائة وسمع من جعفر الهمذاني وقرأ سنن أبي داود على الحافظ زكي الدين وحدث

وكان رجلا فاضلا ذكي الفطرة حاد القريحة صحيح الذهن رئيسا عفيفا نزها جميل الطريقةحسن السيرة مقدما عند الملوك ذا رأي سديد وذهن ثاقب وعلم جم

ولي قضاء القضاة بالديار المصرية والوزارة والنظر وتدريس قبة الشافعي رضي الله عنه والصالحية والخطابة والمشيخة واجتمع له من المناصب ما لم يجتمع لغيره وكان يقال إنه آخر قضاة العدل واتفق الناس على عدله وخيره وكان الشيخ علاء الدين الباجي يصفه بصحة الذهن

وعن شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال لو تفرع ابن بنت الأعز للعلم فاق ابن عبد السلام

وعن بعض الكبار في عصره أنه قال قاضيان حجة الله على القضاة ابن الأعز وابن البارزي قاضي حماة يعني جد قاضي القضاة شرف الدين هبة الله

وفي أيامه جدد الملك الظاهر القضاة الثلاثة في القاهرة ثم في دمشق وكان سبب ذلك أنه سأل القاضي تاج الدين في أمر فامتنع من الدخول فيه فقيل له مر نائبك الحنفي وكان القاضي وهو الشافعي يستنيب من شاء من المذاهب الثلاثة فامتنع من ذلك أيضا فجرى ما جرى وكان الأمر متمحضا للشافعية فلا يعرف أن غيرهم حكم في الديار المصرية منذ وليها أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي في سنة أربع وثمانين ومائتين إلى زمان الظاهر إلا أن يكون نائبٌ يستنيبه بعض قضاة الشافعية في جزئية خاصة وكذا دمشق لم يلها بعد أبي زرعة المشار إليه فإنه وليها أيضا ولم يلها بعده إلا شافعي غير التلاشاعوني التركي الذي وليها يويمات وأراد أن يجدد في جامع بني أمية إماما حنفيا فأغلق أهل دمشق الجامع وعزل القاضي واستمر جامع بني أمية في يد الشافعية كما كان في زمن الشافعي رضي الله عنه ولم يكن يلي قضاء الشام والخطابة والإمامة بجامع بني أمية إلا من يكون على مذهب الأوزاعي إلى أن انتشر مذهب الشافعي فصار لا يلي ذلك إلا الشافعية

وقال أهل التجربة إن هذه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية متى كانت البلد فيها لغير الشافعية خربت ومتى قدم سلطانها غير أصحاب الشافعي زالت دولته سريعا وكأن هذا السر جعله الله في هذه البلاد كما جعل مثله لمالك في بلاد المغرب ولأبي حنيفة فيما وراء النهر

وسمعت الشيخ الإمام الوالد يقول سمعت صدر الدين ابن المرحل رحمه الله يقول ما جلس على كرسي ملك مصر غير شافعي إلا وقتل سريعا وهذا الأمر يظهر بالتجربة فلا يعرف غير شافعي إلا قطز رحمه الله كان حنفيا ومكث يسيرا وقتل وأما الظاهر فقلد الشافعي يوم ولاية السلطنة ثم لما ضم القضاة إلى الشافعية استثنى للشافعية الأوقاف وبيت المال والنواب وقضاة البر والأيتام وجعلهم الأرفعين ومع ذلك قيل إنه ندم وقال أندم على ثلاث ضم غير الشافعية إليهم والعبور بالجيوش إلى الفرات وعمارة القصر الأبلق بدمشق

وحكي أن الظاهر رأى الشافعي في النوم لما ضم إلى مذهبه بقية المذاهب وهو يقول تهين مذهبي البلاد لي أو لك أنا قد عزلتك وعزلت ذريتك إلى يوم الدين فلم يمكث إلا يسيرا ومات ولم يمكث ولده السعيد إلا يسيرا وزالت دولته وذريته إلى الآن فقراء وجاء بعده قلاوون وكان دونه تمكنا ومعرفة ومع ذلك مكث الأمر فيه وفي ذريته إلى هذا الوقت ولله تعالى أسرارٌ لا يدركها إلا خواص عباده وللأئمة رضي الله عنهم عنده مقاماتٌ لا ينتهي إليها عقول أمثالنا فكان الرأي السديد لمن رأى قواعد البلاد مستمرة على شيء غير باطل أن يجري الناس على ما يعهدون ولكن إذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه ولعل سبب زوال دولة المذكور بهذا السبب

وقد حكي أنه رئي في النوم فقيل ما فعل الله بك قال عذبني عذابا شديدا بجعل القضاة أربعة وقال فرقت كلمة المسلمين ولا يخفى على ذي بصيرة ما حصل من تفرق الكلمة وتعدد الأمراء واضطراب الآراء

وقد قال أبو شامة لما حكى ضم القضاة الثلاثة إنه ما يعتقد أن هذا وقع قط وصدق فلم يقع هذا في وقت من الأوقات وبه حصلت تعصبات المذاهب والفتن بين الفقهاء ويحكى أن القاضي تاج الدين ركب وتوجه إلى القرافة ودخل على الفقيه مفضل حتى تولى عنه الشرقية فقيل له تروح إلى شخص حتى توليه فقال لو لم يفعل لقبلت رجله حتى يقبل فإنه يسد عني ثلمة من جهنم

وكان الأمراء الكبار يشهدون عنده فلا يقبل شهادتهم فيقال إن ذلك أيضا من جملة الحوامل على ضم القضاة الثلاثة إليه

ومما يحكى من رياسة قاضي القضاة تاج الدين وذكائه وسرعة إدراكه أن أبا الحسين الجزار الأديب كان يصحبه وكان قاضي القضاة لشدة تصلبه في الدين يعرف الناس منه أنه لا يرخص لأحد فظفر بعض أعداء الجزار بورقة بخط الجزار يدعو فيها شخصا إلى مجلس أنس ووصف المجلس ووضع الورقة في نسخة من صحاح الجوهري في القائمة الأولى منها وأعطى الكتاب لدلال الكتب وقال اعرضه على قاضي القضاة فأحضره له فقرأ الورقة وعرف خط الجزار وقال للدلال رد الكتاب إلى صاحبه فإنه ما يبيعه فقد فهمنا مقصده فلما حضر الجزار ناوله قاضي القاضي الورقة ففهم وقال يا مولاي هذا خطي من ثلاثين سنة ثم اشتهى الجزار أن يعرف ما عند القاضي وهل تأثر بالورقة فأغفله أياما ثم حكى له في أثناء مجلس أن شخصا كان يصحب قاضي القضاة عماد الدين ابن السكري فوقعت له شهادةٌ على شخص فسابقه ذلك الشخص وادعى عليه أنه استأجره من مدة كذا ليغني له في عرس بكذا وقبض الأجرة ولم يغن فأنكر وانفصلت الخصومة ثم وقعت له الدعوى على المدعى المذكور وشهد ذلك الشاهد فقال قاضي القضاة تاج الدين ما صنع ابن السكري فقال له الجزار لم يقبل شهادته فقال قاضي القضاة تاج الدين ما أنصف ابن السكري فعرف الجزار أنه لم يتأثر بالورقة

توفي رحمه الله ليلة السابع والعشرين من شهر رجب سنة خمس وستين وستمائة بالقاهرة ورثاه بعضهم بأبيات منها

يا دهر بع رتب المعالي بعده ** بيع السماح ربحت أم لم تربح

قدم وأخر من تشاء وتشتهي ** مات الذي قد كنت منه تستحي

والأعز الذي ينسب إليه قرأت بخط قاضي القضاة علاء الدين الآجري رحمه الله أن الأعز ابن شكر وزير الملك الكامل بن أبي بكر بن أيوب قال وهو أبو أم قاضي القضاة تاج الدين

والعلامي بالتخفيف نسبة إلى علامة وهي قبيلةٌ من لخم

1227 عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله أبو أحمد الأمين ابن سكينة

مسند العراق ومحدثه ضياء الدين الصوفي الفقيه

وسكينة جدته أم أبيه

ولد في شعبان سنة تسع عشرة وخمسمائة

وسمع الكثير من أبيه وأبي القاسم بن الحصين وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي وزاهر بن طاهر الشحامي والقاضي أبي بكر الأنصاري وأبي منصور ابن زريق القزاز وأبي القاسم بن السمرقندي وغيرهم

روى عنه الشيخ الموفق بن قدامة وأبو موسى ابن الحافظ عبد الغني والشيخ أبو عمرو بن الصلاح وابن خليل والضياء وابن النجار وابن الدبيثي والنجيب عبد اللطيف وابن عبد الدائم وخلائق

وصحب الحافظين ابن عساكر وابن السمعاني واستفاد بصحبتهما وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور ابن الرزاز وكان على ما يقال دائم التكرار لكتاب التنبيه كثير الاشتغال بالمهذب والوسيط وقرأ الأدب على أبي محمد بن الخشاب وتخرج في الحديث بابن ناصر ومد الله له في العمر حتى قصد من الأقاليم وكان شيخ وقته في علو الإسناد قال ابن النجار وفي المعرفة والإتقان والزهد والعبادة وحسن السمت وموافقة السنة وسلوك طريق السلف الصالح

قال وكانت أوقاته محفوظة وكلماته معدودة فلا تمضي له ساعةٌ إلا في قراءة القرآن أو الذكر أو الحديث أو التهجد وكان كثير الحج والعمرة والمجاورة بمكة مستعملا للسنة في جميع أحواله وأثنى عليه كثيرا ثم قال لقد طفت شرقا وغربا ورأيت الأئمة والعلماء والزهاد فما رأيت أكمل منه ولا أحسن حالا

وقال القاضي يحيى بن القاسم مدرس النظامية كان ابن سكينة لا يضيع شيئا من وقته وكنا إذا دخلنا عليه يقول لا تزيدوا على سلامٌ عليكم لكثرة حرصه على المباحثة وتقرير الأحكام

وقال أبو شامة كان ابن سكينة من الأبدال

توفي في تاسع عشر ربيع الآخر سنة سبع وستمائة ببغداد

1228 عثمان بن سعيد بن كثير

القاضي شمس الدين أبو عمرو الصنهاجي الفاسي

قدم مصر في صباه وسكنها وتفقه على الشيخ شهاب الدين الطوسي وبرع في المذهب وسمع هبة الله البوصيري وغيره

ولي قضاء قوص ودرس بالجامع الأقمر بالقاهرة

مولده سنة خمس وستين وخمسمائة ظنا وتوفي بالقاهرة في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وستمائة

1229 عثمان بن عبد الرحمن بن موسى بن أبي نصر الكردي الشهرزوري

الشيخ العلامة تقي الدين أحد أئمة المسلمين علما ودينا أبو عمرو بن الصلاح ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة

وسمع الحديث بالموصل من أبي جعفر عبيد الله بن أحمد البغدادي المعروف بابن السمين وهو أقدم شيخ له

وسمع ببغداد من ابن سكينة وابن طبرزد وبنيسابور من منصور الفراوي والمؤيد الطوسي وغيرهما وبمرو من أبي المظفر السمعاني ومحمد بن عمر المسعودي وغيرهما وبدمشق من القاضي عبد الصمد بن الحرستاني والشيخ الموفق ابن قدامة وغيرهما

روى عنه الفخر عمر بن يحيى الكرجي والشيخ تاج الدين الفركاح وأحمد بن هبة الله بن عساكر وخلق

وتفقه عليه خلائق وكان إماما كبيرا فقيها محدثا زاهدا ورعا مفيدا معلما

استوطن دمشق يعيد زمان السالفين ورعا ويزيد بهجتها بروضة علم جنى كل طالب جناها ورعا ويفيد أهلها فما منهم إلا من اغترف من بحره واعترف بدره وحفظ جانب مثله ورعا

جال في بلاد خراسان واستفاد من مشايخها وعلق التعاليق المفيدة وورد دمشق ودرس بالمدرسة الصلاحية بالقدس ثم عاد إلى البلاد ثم ورد دمشق مقيما مستوطنا وولي تدريس الرواحية والشامية الجوانية ومشيخة دار الحديث الأشرفية

قال ابن خلكان كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وله مشاركةٌ في فنون عدة

وذكر غيره أن ابن الصلاح قال ما فعلت صغيرة في عمري قط وهذا فضلٌ من الله عليه عظيم

توفي سحر يوم الأربعاء خامس عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وازدحم عليه الخلق فصلي عليه بالجامع وشيعوه إلى باب الفرج فصلي عليه بداخله ثانيا ورجع الناس لأجل حصار البلد بالخوارزمية وخرج به دون العشرة مشمرين مخاطرين بأنفسهم فدفنوه بطرف مقابر الصوفية وقبره على الطريق في طرفها الغربي ظاهر يزار ويتبرك به قيل والدعاء عند قبره مستجاب

ومن المسائل والفوائد عنه

أفتى ابن الصلاح في امرأة حاضنة أراد الأب أن ينزع منها الولد مدعيا أنه يسافر سفر نقلة وأنكرت هي أصل السفر بأن القول قوله في السفر مع يمينه

وأفتى رحمه الله في جارية اشترتها مغنية وحملتها على الفساد أنها تباع عليها واستند فيه إلى نقل نقله عن القاضي الحسين أن السيد إذا كلف عبده من العمل ما لا يطيقه يباع عليه والنقل غريبٌ والمسألة مليحة وكلامه محمولٌ على ما إذا تعين بيعه طريقا لخلاصه من الظلم وإلا فلا يتعين البيع

وقد نازعه الشيخ برهان الدين بن الفركاح وقال قد صح في صحيح مسلم ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم ولم يقل فبيعوهم وفي التتمة في الباب الخامس في أحكام المماليك لو امتنع من الإنفاق على مملوكه فالحاكم يجبره على الإنفاق وفي الرافعي قبيل كتاب الخراج في كلامه على المخارجة وإن ضرب عليه خراجا أكثر مما يليق بحاله وألزمه أداءه منعه السلطان فدل أنه يمنع ولا يباع عليه وهذا ملخص كلام الشيخ برهان الدين

جزم الرافعي في باب النذر في أوائل النظر الثاني في أحكامه بأنه لو نذر أن يصلي قاعدا جاز أن يقعد كما لو صرح في نذره بركعة له الاقتصار عليه قال وإن صلى قائما فقد أتى بالأفضل ثم قال بعد ثلاث ورقات إن الإمام حكى عن الأصحاب أنه لو قال علي أن أصلي ركعة لم يلزمه إلا ركعة واحدة وأنه لو قال علي أن أصلي كذا قاعدا يلزمه القيام عند القدرة إذا حملنا المنذور على واجب الشرع وأنهم تكلفوا فرقا بينهما قال ولا فرق فيجب تنزيلهما على الخلاف انتهى

وقد رأيته في النهاية كما نقله ولابن الصلاح مع تبحره في المنقول حظ وافرٌ من التحقيق وسلوكٌ حسنٌ في مضايق التدقيق وقد أخذ يحاول فرقا بين الركعة والقعود بأن القعود صفةٌ أفردها بالذكر وقصدها بالنذر ولا قربة فيها فلغت الصفة وبقي قوله أصلي فالتحق بما لو قال أصلي مقتصرا عليه فيلزمه القيام على أحد القولين وليس كذلك قوله ركعة فإنها نفس المنذور وهي قربةٌ وصفةٌ إفرادها بالذكر ليست مذكورة ولا منذورة هذا كلامه

ولست بموافق له فيه كما سأذكر غير أني قبل مشاقته أقول لك أن تزيد هذا الفرق تحسينا بأن تقول وقوله ركعة مفعول أصلي وهو وإن كان فضلة لكن متى حذف لفظا قدر صناعة بخلاف ركعة قاعدا فإنه حالٌ من الفاعل لو حذف لفظا لم يقدر فكان التلفظ به دليل القصد إليه بخلاف ركعة فربما كان التلفظ بها ذكرا للمفعول لأنه لو حذف لم يتعين تقدير ركعة بل جاز تقدير ركعتين لأنا نتطلب بالصناعة مطلق كونه ركعة أو ركعتين ونحوهما لا خصوص واحدمنهما فكان قوله قاعدا مع قوله أصلي في قوة قضيتين وجملتين مستقلتين فلغا منهما ما ليس بقربة بخلاف قوله ركعة فإنه ليس في قوة قضية أخرى بل هو من تمام القضية الأولى لو لم يلفظ به لقدره سامعه وانتقل ذهنه إلى المطلق منه إن لم يتعين له الخاص فلم يزد قوله ركعة على قوله أصلي من حيث الصناعة بخلاف قاعدا هذا منتهى ما خطر لي في تحسينه

ثم أقول ما الفرق بمسلم وتقرير ذلك عند سامعه يستدعي منه تمهلا علي فيما ألقيه

فأقول ما الركعة بمطلوبة للشارع أبدا من حيث إنها ركعة بل من حيث إنها توتر ما تقدم فهناك يطلب انفرادها وهذا أمرٌ لا يكون في الوتر فلا تكون الركعة من حيث انفرادها قربة إلا في الوتر فلا يلزم بالنذر وهي والقعود سواء كلاهما مطلوب العدم إلا في الوتر فيطلب وجودها ليوتر المتقدم وذلك كركعتين خفيفتين يصليهما بعدها عن قعود وقد روى ذلك عن رسول الله وقيل إنهما سنة الوتر كالركعتين بعد المغرب سنة المغرب وجعلت ركعتا الوتر بعد جائزة عن قعود إشارة إلى أنه غير واجب وقيل إن ذلك منسوخ

فإن قلت لو كانت ركعة الوتر لا تطلب إلا لكونها توتر ما تقدم لما صح الاقتصار عليها لكن الصحيح صحة الاقتصار على ركعة واحدة

قلت هو مع صحته على تلوم فيه خلاف الأفضل فليس بقربة من حيث إنه ركعةٌ منفردة

فإن قلت لو تم لك ذلك لما جاز النفل في غير الوتر بركعة منفردة لكنه يجوز على الصحيح

قلت إنما جاز لمطلق كونه صلاة لا لخصوص كونه ركعة ففي الركعة المنفردة عمومٌ وخصوصٌ فعموم كونها صلاة صيرها قربة وخصوص كونها ركعة ليس من القربة في شيء إلا في الوتر فالتزامها في غير الوتر بالنذر من حيث خصوصها لا يصح كالقعود سواء وهذا تحقيقٌ ينبغي أن يكتب بسواد الليل على بياض النهار وبماء الذهب على نار الأفكار

وقد رد ابن الرفعة كلام ابن الصلاح بما لا أرتضيه فقال دعواه أنه لا قربة في القعود قد يمنع إذا قلنا بالأصح وهو جواز التنفل مضطجعا مع القدرة على القيام

قلت وفيه نظرٌ فجواز التنفل مضطجعا لا يقتضي أنا جعلنا نفس القعود قربة بل غاية الأمر أنا قلنا إنه خيرٌ من الاضطجاع والتحقيق أن يقال عدم الاضطجاع خيرٌ منه وإن صح ووراءه صورتان القيام وهو مطلوبٌ للشارع بخصوصه والقعود وليس هو مطلوبا من حيث خصوصه بل من حيث عمومه وهو أنه ليس باضطجاع فخرج من هذا أن خصوص القعود ليس بمقصود قط وإن وقع تسمحٌ في العبارة فلا يعبأ به

ثم قال ابن الرفعة وإن قلنا لا يجوز الاضطجاع مع القدرة على القيام فقد يقال الوفاء بالنذر ليس على الفور وقد يعجز عن القيام فيكون القعود في حقه فضيلة فيصير كما لو نذر الصلاة قاعدا وهو عاجزٌ والصحيح يعتمد الإمكان

قلت وقد عرفت بما حققت اندفاعه وأن القعود لا يكون فضيلة أبدا ثم يزداد هذا ويقوى بأن الاعتبار في النذر بوقت الإلزام وإلا فلو تم ما ذكره واكتفي باحتمال العجز مصححا في المستقبل مصححا في الحال لصح نذر المفلس والسفيه عتق عبديهما وإن لم ينفذ إعتقاهما في الحال لاحتمال رفع الحجر مع بقاء العبد وقد وافق هو على أنه لا ينفذ

ثم قال ابن الرفعة ثم قول ابن الصلاح وليس كذلك قوله ركعة إلى آخره قد يمنع ويقال ما قدمه الناذر من قوله أصلي إذ نزلناه على واجب الشرع محمولٌ على ركعتين وقوله بعده ركعة مناقضٌ له وحينئذ فقد يقال بإلغاء قوله ركعة أو بإلغاء جميع كلامه ويلزم مثل ذلك في نذر الصلاة قاعدا

قلت وفيه نظر فإن الاختلاف في الحمل على واجب الشرع أو جائزه إنما هو حالة الإطلاق لا حالة التقييد بجائزه وهنا قد قيد بركعة فلا يمكن إلغاؤه وهو كالتقييد بأربع وقد قدمنا أن قوله ركعة مفعول أصلي فلا بد منه تقديرا إن لم يكن منطوقا فكيف يحكم بإلغائه

أفتى ابن الصلاح في ورثة اقتسموا التركة ثم ظهر دينٌ ووجد صاحب الدين عينا منها في يد بعض الورثة بأن للحاكم أن يبيع تلك العين في وفاء الدين ولا يتعين أن يبيع على كل واحد من الورثة ما يخصه من الدين وهو فرعٌ حسنٌ وفقهٌ مليح

ومن الواقعات بين ابن الصلاح وأهل عصره ولا نذكر ما اشتهر بينه وبين ابن عبد السلام في مسألة صلاة الرغائب ومسألة الصلاة بحسب الساعات ونحوهما وإنما نذكر ما يستحسن وهو عندنا في محل النظر

فرعٌ تعم به البلوى امرؤ يقول اشهدوا علي بكذا هل يكون به مقرا أفتى ابن الصلاح بأنه لا يكون مقرا كذا ذكر في باب الإقرار من فتاويه وذكر أن تقريره سبق منه وكان ذلك باعتبار ما كان يكتب في فتاويه على غير ترتيب وهي الآن مرتبة

والمسألة التي أشار إلى أنها سبقت في آخر الفتاوى ذكر فيها ذلك وأنه مذهبنا وأن المخالف فيه أبو حنيفة وأن المسألة مصرحٌ بها في العدة للطبري وفي الإشراف للهروي وذكر أنه وقف على المسألة بعض من يفتي بدمشق من أصحابنا فأرسل إليه مستنكرا يذكر أن هذا خلاف ما في الوسيط فإن فيه لو قال أشهدك علي بما في هذه القبالة وأنا عالمٌ به فالأصح جواز الشهادة على إقراره بذلك

قال ابن الصلاح فقلت إن تلك مسألةٌ أخرى مباينةٌ لهذه ففرقٌ بين قوله أشهدك علي مضافا إلى نفسه وبين قوله اشهد علي غير مضيف إلى نفسه شيئا ثم ينبغي أنه إذا وجد ذلك ممن عرفه استعمال ذلك في الإقرار يجعل إقرارا وفي البيان أن اشهد ليس بإقرار لأنه ليس في ذلك غير الإذن في الشهادة عليه ولا تعرض فيه للإقرار هذا كلامه

ولسنا نوافقه عليه فإن حاصله أمران أحدهما أنه يقول اشهد علي بكذا أمرٌ وليس بإقرار وهذا محتمل لكنا نقول هو متضمن للإقرار تضمنا ظاهرا شائعا

والثاني أنه يفرق بين أشهدك علي واشهد علي وهذا غير مسلم له وغاية ما حاول في الفرق ما ذكر ومعناه أن أشهدك فعل مسندٌ إلى الفاعل ومعناه أصيرك شاهدا بخلاف اشهد علي والأمر كما وصف غير أنه لا يجديه شيئا لأن الأمر بأن يشهد عليه فوق الإقرار وعليه ألفاظٌ كثيرة من الكتاب والسنة مثل ‏{‏وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏}‏ وأمثلته تكثر وما ذكره من النقل عن الإشراف والعدة صحيحٌ لكنه قول من يقول اشهد علي ليس بإقرار وهو أحد الوجهين ومأخذه جهالة المشهود به لا صيغة اشهد أما تسليم أن أشهدك إقرارٌ مع منع أن اشهد ليس بإقرار فلا ينتهض ولا قاله الغزالي ولا غيره وما كاف الخطاب في قول الغزالي أشهدك يفيد قصده الفصل بينه وبين اشهد كما يظهر لمن تأمل المسألة في كلام الأصحاب وهي مذكورة في باب القضاء على الغائب في كتاب القاضي إلى القاضي ومأخذ المنع فيها الجهالة بالمشهود به لا غير

ومن تأمل كلام الإشراف والعدة والإمام والغزالي والرافعي ومن بعدهم أيقن بذلك بل قد صرح الغزالي نفسه في فتاويه بما هو صريحٌ فيها بقوله فإنه أفتى فيمن قال اشهدوا علي أني وقفت جميع أملاكي وذكر مصرفها ولكن لم يحددها بأن الجميع يصير وقفا وليس هنا أشهدكم والظن بهذه المسألة أنها مفروغٌ منها ومن حاول أن يأخذ من كلام الأصحاب فرقا بين اشهد وأشهدك فقد حاول المحال نعم لو عمم ابن الصلاح قوله أشهدك واشهد كلا منهما ليس بإقرار لم يكن مبعدا وكان موافقا لوجه وجيه في المذهب وأما ما نقله عن صاحب البيان أن اشهد ليس فيه غير الإذن فلم أجد هذا في البيان والذي وجدته فيه في باب الإقرار ما نصه فرع لو كتب رجلٌ لزيد علي ألف درهم ثم قال للشهود اشهدوا علي بما فيه لم يكن إقرارا وقال أبو حنيفة يكون إقرارا دليلنا أنه ساكتٌ عن الإقرار بالمكتوب فلم يكن إقرارا كما لو كتب عليه غيره فقال اشهدوا بما كتب فيه أو كما لو كتب على الأرض فإن أبا حنيفة وافقنا على ذلك انتهى

وأحسبه أخذه من عدة الطبري فإنه فيها كذلك من غير زيادة ذكره أيضا في باب الإقرار وهو أيضا في الإشراف لأبي سعد الهروي كما نقل ابن الصلاح وليس في واحد من هذه الكتب الفصل بين أشهدك واشهد ولا تحدثوا عن هذه المسألة من حيث لفظ الشهادة أصلا إنما كلامهم من حيث الإقرار بالمجهول المضبوط ومن ثم أقول الإنصاف أن مسألة الغزالي في الفتاوى أيضا لم يقصد بها إلى صيغة اشهدوا بل إلى أن الشهادة تصح على جيمع الأملاك وإن لم يحدد أما الفرق بين اشهدوا وأشهدكم فلم يتكلم فيه أحدٌ غير ابن الصلاح وليس بمسلم نعم يؤخذ من كلام الغزالي عدم الفرق لأن اشهدوا لو لم يكن إقرارا لقال الغزالي إنه ليس بإقرار لأن جهة عدم التحديد تكون من جهة الصيغة فلما لم يقل ذلك دلنا ذلك منه على إن عنده أن كون الصيغة صيغة الإقرار أمرٌ مفروغٌ منه وهو الغالب على الظن حقيقة فيما عندي ويشهد له أيضا قول أصحابنا في الاسترعاء إذا قال الشاهد للمقر أشهد عليك بذلك فقال المقر نعم كان استرعاء صحيحا وإن قال اشهد فثلاثة أوجه وهو أوكد من نعم لما فيه من لفظ الأمر والثاني لا يكون استرعاء صحيحا والثالث إن قال اشهد علي كان استرعاء صحيحا لنفى الاحتمال بقوله علي وإن اقتصر على اشهد لم يكن استرعاء صحيحا أما لو قال اشهد علي بكذا فاسترعاءٌ صحيحٌ قطعا قال الروياني في البحر لانتفاء وجوه الاحتمال عنه

وهذه المسائل في الحاوي والبحر ومن تأملها علم أن اشهد استرعاءٌ صحيح وإقرارٌ معتبر لا يتطرق إليه الخلل من لفظه بل من جهالة ما سلط عليه ولذلك جزموا في اشهد علي بذلك أنه استرعاء صحيحٌ وبه جزم الرافعي أيضا ولفظه أو يقول اشهد علي شهادتي بكذا أو يقول إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك في أن تشهد انتهى

وما قاله ابن الصلاح يشبه ما قاله ابن أبي الدم في الشهادة على الإقرار وقد قدمناه في ترجمته في هذه الطبقة

1230 عثمان بن عبد الكريم بن أحمد بن خليفة الصنهاجي أبو عمرو بن أبي محمد الشيخ العلامة سديد الدين التزمنتي

ولد بتزمنت سنة خمس وستمائة وبرع في الفقه ودرس بالمدرسة الفاضلية بالقاهرة وناب في القضاء

وكانت له اليد الطولى في معرفة المذهب وفصل الخصومات وكان أحد معيدي الشيخ الفقيه أبي الطاهر الأنصاري خطيب مصر صاحب الكرامات وأحد معيدي الشيخ عز الدين بن عبد السلام

قال القاضي أحمد بن عيسى بن رضوان بن العسقلاني في كتابه الذي ألفه في مناقب الخطيب أبي الطاهر شهدته يوما يعني السديد التزمنتي وقد أشار إليه الشيخ عز الدين بإعادة درسه بعد فراغه فشرع في إعادته وأخذ في إيراده فأجاد في عبارته بحيث كان الأفاضل ممن حضر يعجبون ويطربون وإذا حاوله الحاسدون تلا لسان الحال ‏{‏قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ‏}‏ انتهى

وكان الشيخ السديد كما وصف وأزيد

وعنه أخذ الفقه فقيه الزمان أبو العباس ابن الرفعة

ويحكى أنه كان يحب القضاء وأنه كان يدعو في سجوده ‏{‏رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا‏}

توفي بالقاهرة حاكما

1231 عثمان بن عيسى بن درباس القاضي ضياء الدين أبو عمرو الهدباني الماراني ثم المصري

صاحب الاستقصاء في شرح المهذب وشرح اللمع في أصول الفقه وغيرهما من التصانيف

تفقه بإربل على الخضر بن عقيل ثم بدمشق على ابن أبي عصرون وسمع الحديث من أبي الجيوش عساكر بن علي وناب في الحكم عن أخيه قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك وكان من أعلم الشافعية في زمانه بالفقه وأصوله

قال التفليسي ثم عزل عن نيابة أخيه وعن تدريس كان بيده بظاهر القاهرة ووقف عليه جمال الدين خشترين مدرسة أنشأها بالقصر

مات بمصر سنة اثنتين وستمائة وقد قارب التسعين سنة

1232 عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمويه ابن سعيد بن الحسين بن القاسم بن نصر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عبد الله ابن أبي قحافة رضي الله عنه

أبو عبد الله وقيل أبو نصر وقيل أبو القاسم الصوفي ابن أخي الشيخ أبي النجيب

هو الشيخ شهاب الدين السهروردي صاحب عوارف المعارف

ولد في رجب سنة تسع وثلاثين وخمسائة بسهرورد وقدم بغداد فصحب عمه الشيخ أبا النجيب عبد القاهر وأخذ عنه التصوف والوعظ وصحب أيضا الشيخ عبد القادر وصحب بالبصرة الشيخ أبا محمد بن عبد

وسمع الحديث من عمه ومن أبي المظفر هبة الله بن الشبلى وأبي الفتح بن البطي ومعمر بن الفاخر وأبي زرعة المقدسي وأبي الفتوح الطائي وغيرهم

روى عنه ابن الدبيثي وابن نقطة والضياء والزكي البرزالي وابن النجار والقوصي وأبو الغنائم بن علان والشيخ العز الفاروثي وأبو العباس الأبرقوهي وخلقٌ

وكان فقيها فاضلا صوفيا إماما ورعا زاهدا عارفا شيخ وقته في علم الحقيقة وإليه المنتهى في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الخالق وتسليك طريق العبادة والخلوة

أخذ التصوف عمن ذكرناه والفقه عن عمه أبي النجيب أيضا وعن أبي القاسم ابن فضلان

قال ابن النجار كان شيخ وقته في علم الحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين ودعاء الخلق إلى الله وتسليك طريق العبادة والزهد صحب عمه وسلك طريق الرياضات والمجاهدات وقرأ الفقه والخلاف والعربية وسمع الحديث ثم انقطع ولازم الخلوة وداوم الصوم والذكر والعبادة

قال ثم تكلم على الناس عند علو سنه وعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه على دجلة

قال وقصد من الأقطار وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا ووصل به خلقٌ إلى الله وصار له أصحابٌ كالنجوم

قال ورأى من الجاه والحرمة عند الملوك ما لم يره أحدٌ

قال ثم أضر في آخر عمره وأقعد ومع هذا فما أخل بالأوراد ودوام الذكر وحضور الجمع في محفته والمضي إلى الحج إلى أن دخل في عشر المائة

قال ومات ولم يخلف كفنا مع ما كان يدخل له

قال ابن نقطة كان شيخ العراق في وقته صاحب مجاهدة وإيثار وطريق حميدة ومروءة تامة وأوراد على كبر سنه

ومن المسائل والفوائد عنه

قال السهروردي في عوارف المعارف اتفق أصحاب الشافعي أن المرأة غير المحرم لا يجوز الاستماع إليها سواءٌ كانت حرة أو مملوكة مكشوفة الوجه أو من وراء حجاب

قلت والمشهور في المذهب المصحح عند المتأخرين أن الاستماع إلى الأجنبية مكروهٌ غير محرم

وقال السهروردي أيضا إن الإمام إذا قال آمين فافتتح المأموم في قراءة الفاتحة لا يسكت بل يشتغل الإمام بما روي اللهم نقني من الخطايا والذنوب الحديث إلى أن يتم المأموم الفاتحة

وهذا تبع فيه الغزالي فإنه كذلك ذكر في الإحياء وهو غريب والحديث يشهد لأن موضع ذلك قبل الفاتحة

1233 عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان القاضي عز الدين أبو الفتح ابن الأستاذ

ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة وسمع من ابن اللتي وغيره

قال الذهبي وكان فقيها صالحا دينا متزهدا متميزا درس بالمدرسة الظاهرية البرانية وهو آخر من روى بدمشق سنن ابن ماجه كاملا

توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وستمائة

1234 عمر بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه الجويني الأصل شيخ الشيوخ الصاحب الرئيس عماد الدين أبو الفتح بن شيخ الشيوخ صدر الدين أبي الحسن بن شيخ الشيوخ عماد الدين أبي الفتح

ولد في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ونشأ بمصر ودرس بمدرسة الشافعي رضي الله عنه ومشهد الحسين وولي خانقاه سعيد السعداء

وكان صدرا رئيسا معظما عند الخاص والعام فاضلا أشعري العقيدة

وحدث بدمشق والقاهرة وهو الذي قام بسلطنة الملك الجواد بن العادل بدمشق عند موت الملك الكامل

1235 عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ زين الدين ابن المرحل

خطيب دمشق

تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام وقرأ الكلام والأصول على الخسروشاهي وسمع الحديث من الحافظ عبد العظيم وغيره

وكان من علماء زمانه وهو والد الشيخ صدر الدين محمد المتقدم

توفي هذا في الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة

1236 عمر بن مكي الخوزي

قرأ المذهب والأصول والخلاف والجدل وكان متألها متعبدا ناسكا سالكا طريق الزهد والرياضة والمجاهدة والخلوة ودوام الصيام والصلاة زاهدا في المناصب والتقدم مع اشتهار اسمه وعلو مرتبته

مضى إلى مكة وحج وأقام بها مجاورا على أحسن طريقة وأجمل سريرة وسيرة إلى أن توفي بها في صفر سنة سبع وعشرين وستمائة هذا كلام ابن النجار قال وأظنه جاوز الستين

1237 عمر بن يحيى بن عمر بن حمد الشيخ فخر الدين الكرجي

نزيل دمشق

ولد بالكرج سنة تسع وتسعين وخمسمائة وقدم إلى دمشق ولزم الشيخ تقي الدين ابن الصلاح وتفقه عليه وسمع من ابن الزبيدي وابن اللتي والبهاء عبد الرحمن المقدسي

حدث عنه أبو الحسن بن العطار وغيره

وقد زوجه ابن الصلاح بابنته

مات هو والمسند أبو الحسن علي بن البخاري في يوم واحد وهو ثاني ربيع الآخر سنة تسعين وستمائة

1238 عيسى بن رضوان بن العسقلاني الشيخ ضياء الدين القليوبي

والد القاضي كمال الدين أحمد

1239 عيسى بن عبد الله بن محمد بن محمد بن هبة الله بن أبي عيسى أبو الفتح

كان معيدا بالمدرسة النظامية وشيخا بالرباط الناصري ببغداد

مولده في صفر سنة ثمان وستين وخمسمائة

ومات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وستمائة

1240 عيسى العراقي الضرير

نزيل دمشق

مدرس الكلاسة والمدرسة الأمينية

مات ليلة الجمعة سابع ذي القعدة سنة اثنتين وستمائة أصبح مصلوبا فحضر الوالي واستكشف عن أمره وجد في البحث عنه فلم يعلم كيف خبره

1241 العراقي بن محمد بن العراقي الإمام ركن الدين أبو الفضل الهمذاني الطاوسي

صاحب التعليقة في الخلاف

وكان إماما مبرزا في النظر وله ثلاث تعاليق وقد تخرج به فقهاء همذان ورحلت إليه الطلبة

مات في رابع عشر جمادى الآخرة سنة ستمائة

1242 فتح بن محمد بن علي بن خلف نجيب الدين أبو المنصور السعدي الدمياطي

1243 الفتح بن موسى بن حماد نجم الدين أبو نصر الجزيري القصري

ولد بالجزيرة الخضراء في رجب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ونشأ بقصر عبد الكريم بالمغرب وسمع مقدمة الجزولي عليه

وكان فقيها أصوليا نحويا

قدم دمشق واشتغل على السيف الآمدي ودخل حماة ودرس بمدرسة ابن المشطوب ونظم السيرة لابن هشام والمفصل للزمخشري والإشارات لابن سينا

ودخل مصر ودرس بالفائزية بأسيوط وولى قضاء أسيوط وبها توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة

1244 فضل الله بن محمد بن أحمد الإمام أبو المكارم ابن الحافظ أبي سعد النوقاني

مولده سنة أربع عشرة وخمسمائة

وأجازه محيي السنة البغوي استجازه له أبوه

وسمع من عبد الجبار الخواري وغيره

تفقه بمحمد بن يحيى

وقد أجاز لابن البخاري وابن أبي عمر وغيرهما من أشياخ أشياخنا فلنا رواية تصانيف البغوي بالإجازة عن مشايخنا عن ابن أبي عمر والفخر عنه عن البغوي وهو علو عظيمٌ

مرض بنيسابور وحمل إلى نوقان وهي طوس فمات بها سنة ستمائة

1245 فضل الله التوربشتي

وتوربشت بضم التاء المثناة من فوق بعدها واو ساكنة ثم راء مكسورة ثم باء موحدة مكسورة ثم شين معجمة ساكنة ثم تاء مثناة من فوق

رجلٌ محدثٌ فقيه من أهل شيراز

شرح مصابيح البغوي شرحا حسنا وروى صحيح البخاري عن عبد الوهاب بن صالح بن محمد بن المعزم إمام الجامع العتيق عن الحافظ أبي جعفر محمد بن علي أخبرنا أبو الخير محمد بن موسى الصفار أخبرنا أبو الهيثم الكشميهني أخبرنا الفربري

وأظن هذا الشيخ مات في حدود الستين والستمائة وواقعة التتار أوجبت عدم المعرفة بحاله

ومن فوائده

ما ذكره في آخر شرح المصابيح قال ولقد استبهم علي قوله بنت لبون أنثى ففتشت بطون الدفاتر وفاوضت فيه من صادفته بصدد الفهم من أهل العلم فلم أصدر عن تلك الموارد ببلة ثم إن الله تعالى ألهمني فيه وجه الصواب على ما قررته في باب الزكاة من الكتاب وبعد برهة كنت أتصفح كتابا لبعض علماء المغرب فوجدته قد سبقني بالقول فيه عن نفسه أو عن غيره على شاكلة ما جئت به

والذي قال في الزكاة فأما وجه قوله بنت مخاض أنثى وبنت لبون أنثى فلم أجد أحدا من أصحاب المعاني ذكر فيه ما شفى الغليل وقد سئلت عنه فكان جوابي فيه أن الابن والبنت إنما يختصان بالذكر والأنثى عند الإطلاق في بني آدم وأما في غير بني آدم فقد استعمل على غير هذا الوجه فقيل ابن عرس وابن آوى وابن دأية وابن قترة وابن الماء وابن الغمام وابن ذكاء وابن الأرض وبنت الأرض وبنت الجبل وبنت الفكر وما أشبه ذلك من الأسماء وكل ذلك مستعارٌ لمعان غير التي تختص بالانسان وكذلك تقول في ابن مخاض وابن لبون وبنت مخاض وبنت لبون

ويدل على صحة ما ادعيناه قولهم بنات مخاض وبنات لبون وبنات آوى ولم يقولوا أبناء مخاض أبو بنو مخاض وقد ذكر عن الأخفش بنو عرس وبنو نعش فأما ابن مخاض وابن لبون فلم يذكر في جمعهما اختلافٌ فالتقييد الذي ورد في الحديث بنت مخاض أنثى وبنت لبون أنثى لرفع الاشتباه بما ذكرناه من النظائر انتهى

قلت ولعل المغربي الذي أشار إليه هو السهيلي فله تصنيف في ذلك ولابن الحاجب أيضا فيه كلام أو لعله الإمام أبو عبد الله المازري المالكي فإنه نقل ذلك في شرح التلقين وزاد شيئا رآه هو فقال في ابن لبون ذكر وبنت مخاض أنثى يقال حكي عن بعضهم أن لفظ الذكر والأنثى هنا جاء تأكيدا وحسنه اختلاف اللفظين كما في قوله تعالى ‏{‏وَغَرَابِيبُ سُودٌ‏}‏ والغربيب لا يكون إلا أسود وقال آخرون هو احتراز من قولهم ابن عرس وابن آوى ونحو ذلك مما ينطبق على الذكر والأنثى

قال المازري وهذا إنما يفيد في قوله ابن لبون ذكر وأما قوله بنت مخاض أنثى فيحتاج إلى ثبوت استعمال بنت كذا كما في ابن عرس ونحوه وما أراه يوجد قلت قد وجد وذكر التوربشتي بنت النقلة وبنت الجبل

ثم قال المازري والمرضي عندي أن هذا ورد للتنبيه على مشروعية كل منهما في هذا النصاب الواحد وهما مختلفان في السن على خلاف قاعدة بقية النصيب لتبين أنهما كالمتفقين إذا توصل حالهما لأن بنت المخاض وإن كانت صغيرة حينئذ لا يحمل عليها فلها فضيلة الأنوثة المتوقع منها الدر والنسل وهو مقصودٌ ولكنه اختص عنها في هذه الحالة ينال الشجر ويأكل الكلأ ويرد المياه ويمنع من صغار السباع ويحمل عليه فهما كالمتوارثين فأشار إلى ذلك بتقييد كل منهما بوصفه الخاص به المشعر بتلك الخصوصية

قال وهذا مثل قوله في الفرائض فلأولى رجل ذكر فإنه تنبيهٌ على علة الحكم لأن العاصب قد يكون أبعد من بنت العم والعمة ويقتضي الرأي أن الأقرب أقوى لفضيلة القرب لكن لما كانت الذكورة يستحق بها العصب والنكاح نبه على الوجه الذي من أجله قدم العاصب في الميراث على ما هو أقرب منه

1246 القاسم بن علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ أبو محمد بن الحافظ أبي القاسم بن عساكر

ولد سنة سبع وعشرين وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي الحسن السلمي ونصر الله المصيصي والقاضي أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي وعمه الصائن وجد أبويه وخلق وأجازه أكثر شيوخ والده وكتب الكثير حتى إنه كتب تاريخ والده مرتين وكان حافظا

وله كتاب فضل المدينة وكتاب فضل المسجد الأقصى وأملى كثيرا وحدث

وسمع منه خلقٌ وكان ناصر السنة مجدا في إماتة البدعة ودخل مصر وانتفع به أهلها

مات سنة ستمائة

1247 القاسم بن عبد الله بن عمر بن أحمد

الشيخ الإمام شهاب الدين أبو بكر بن الإمام أبي سعد بن الإمام أبي حفص الصفار

شيخ ابن الصلاح

ولد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وسمع من جده ومن عم أبيه ومن وجيه الشحامي وعبد الله الفراوي وهبة الرحمن بن القشيري وجماعة

روى عنه ابن الصلاح والزكي البرزالي وأبو إسحاق الصريفيني والضياء المقدسي والصدر البكري وعمر الكرماني وآخرون

وحدث عنه بالإجازة أبو الفضل ابن عساكر والتاج ابن أبي عصرون

وكان فقيها كبيرا إماما نبيلا فقيه خراسان ومفتيها ومدرسها محدثا مكثرا عالي الإسناد رئيسا محتشما من وجوه نيسابور وسراة أهلها مواظبا على نشر العلم قيل إنه درس وسيط الغزالي أربعين مرة درس العامة تدريس الخاصة

استشهد بنيسابور لما دخلها الترك وقتلوا الرجال والنساء فكان في من استشهد سنة ثمان عشرة وستمائة

1248 المبارك بن المبارك بن سعيد بن أبي السعادات أبو بكر بن الدهان النحوي الضرير

من أهل واسط

صحب أبا البركات بن الأنباري وأخذ عنه وكان جيد القريحة حاد الذهن متضلعا في علوم كثيرة إماما في النحو واللغة والتصريف والعروض ومعاني الشعر والتفسير والإعراب وتعليل القراءات عارفا بالفقه والطب وعلم النجوم وعلوم الأوائل وله النثر الحسن والنظم الجيد

وكان في أول أمره على مذهب أبي حنيفة ثم انتقل إلى مذهب الشافعي

سمع الحديث من أبي زرعة المقدسي وغيره

ولد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وتوفي في شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة

1249 المبارك بن محمد بن علي الموسوي التفليسي

تفقه على يحيى بن الربيع

وله كتابٌ رتبه على قسمين ذكر أنه فرغ من تصنيفه في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة

1250 يحيى بن عبد المنعم بن حسن الشيخ جمال الدين المصري

وهو المعروف عند أهل مصر بالجمال يحيى

كان فقيها كبيرا حافظا للمذهب دينا خيرا

أخذ الفقه عن الشيخ الجليل أبي الطاهر المحلي وبعد صيته واشتهر اسمه وولي قضاء المحلة مدة ثم درس بمشهد الحسين بالقاهرة وناب في الحكم وكان يحضر الدرس فينقل بعض الطلبة من النهاية وبعضهم من البحر ونحو ذلك فيقول لكل منهم صدقت هو في المكان الفلاني في الفصل الفلاني لقوة استحضاره مع علو سنه

وحكي أن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز حضر عنده جماعةٌ من الفقهاء المتعينين فسأل عن مسألة فلم يستحضر أحدٌ منهم فيها نقلا فأقبل الجمال يحيى فقال أنقلها من سبعة عشر كتابا وسردها

وكان ينوب في الحكم لابن رزين فوقعت محاكمةٌ في الحضانة فشرع قاضي القضاة يقول شيئا فقال الجمال يحيى النقل خلاف ذلك فقال له احكم بينهما

وكان قوي النفس وقيل إنه كان لا يدري أصولا ولا نحوا ولا علما غير الفقه

وقال مرة مستنيبه قاضي القضاة ابن رزين لو أردت لعزلتك فقال له ما تقدر فقال لم من يمنعني فقال كنا عند الفقيه أبي الطاهر يوما فحصلت له حالة فقال كل من كانت له حاجةٌ يذكرها فقلت أنا أريد أن أكون نائب حكم ولا يعزلني أحدٌ فقال لك ذلك

توفي في عاشر رجب سنة ثمانين وستمائة وقد قارب الثمانين

1251 يحيى بن علي بن سليمان أبو زكريا المعروف بابن العطار

ولد بالموصل في سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وخمسمائة وتفقه على القاضي عبد الرحمن بن خداش وعلى الشيخ يونس بن منعة ودرس في بعض مدارس الموصل وبها مات في سابع عشري جمادى الأخرة سنة ثمان عشرة وستمائة

1252 يحيى بن القاسم بن المفرج بن درع بن الخضر بن الحسن بن حامد الثعلبي أبو زكريا التكريتي

من أهل تكريت

تفقه بتكريت في صباه على والده ثم سافر إلى الحديثة فتفقه بها على قاضيها أبي محمد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن عبدويه الشيباني البلخي ومضى إلى الموصل وتفقه على سعيد بن الشهرزوري ثم قدم بغداد وتفقه على الشيخين أبي النجيب السهروردي ويوسف الدمشقي وقرأ الأدب على أبي محمد الخشاب وبرع في المذهب والخلاف والأصول وسمع الحديث من أبي الفتح بن البطي وأبي زرعة المقدسي وشيخه أبي النجيب وغيرهم وعاد إلى بلده وولي القضاء به مدة ودرس ثم قدم بغداد في سنة سبع وستمائة وولي تدريس النظامية

قال ابن النجار كان آخر من بقي من المشايخ المشار إليهم في معرفة مذهب الشافعي وله الكلام الحسن في المناضرة والعبارة الفصيحة بالأصولين وله اليد الطولى في معرفة الأدب والباع الممتد في حفظ لغات العرب وكان أحفظ أهل زمانه لتفسير القرآن ومعرفة علومه وكان من المجودين لتلاوته ومعرفة القراءات ووجوهها وصنف في المذهب والخلاف والأدب وأثنى عليه كثيرا

كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن ابن النجار قال أنشدني يحيى التكريتي لنفسه

لا بد للمرء من ضيق ومن سعة ** ومن سرور يوافيه ومن حزن

والله يطلب منه شكر نعمته ** ما دام فيها ويبغي الصبر في المحن

فكن مع الله في الحالين معتنقا ** فرضيك هذين في سر وفي علن

فما على شدة يبقى الزمان فكن ** جلدا ولا نعمةٌ تبقى على الزمن

مولده في مستهل المحرم سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بتكريت ومات في شهر رمضان سنة ست عشرة وستمائة ببغداد

1253 يحيى بن منصور بن يحيى بن الحسن الفقيه أبو الحسين السليماني اليماني المقرئ

من أعيان شيوخ القاهرة

تفقه على الشيخ شهاب الدين الطوسي وقرأ القراءات على أبي الجود ولازم الحافظ علي بن المفضل مدة بالقاهرة

توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وستمائة

1254 يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد

قاضي القضاة شمس الدين أبو البركات ابن سني الدولة

أبو قاضي القضاة صدر الدين

ولد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وتفقه على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وأخذ الخلاف عن الإمام قطب الدين النيسابوري وسمع الحديث من أبي الحسين بن الموازيني ويحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وعبد الرحمن بن علي الخرقي والخشوعي وحدث بمكة والقدس ودمشق وحمص

روى عنه المجد بن الحلوانية والشرف ابن عساكر وابن عمه الفخر إسماعيل وجماعة

وكان إماما فاضلا جليلا مهيبا ولي قضاء الشام وحمدت سيرته

توفي في خامس ذي القعدة سنة خمس وثلاثين وستمائة

1255 يحيى بن أبي السعادات بن سعد الله بن الحسين بن أبي تمام القاضي أبو الفتوح التكريتي

ولد يوم الجمعة ثالث عشري صفر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة بتكريت

وسمع من أبيه وجماعة وسمع ببغداد من أبي المظفر هبة الله بن الشبلي وابن البطي والشيخ عبد القادر والشيخ أبي النجيب وجماعة وحدث ببلده وخرج لنفسه أحاديث

روى عنه ابن الدبيثي والبرزالي والضياء وآخرون

مات في صفر سنة ثمان عشرة وستمائة